الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (5): {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى} شروع في تفصيل ما أجمل في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] الآية {بئاياتنا} أي ملتبسًا بها وهي كما أخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد. وعطاء. وعبيد بن عمير الآيات التسع التي أجراها الله تعالى على يده عليه السلام، وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} عنى أي أخرج فإن تفسيرية لأن في الإرسال معنى القول دون حروفه أو بأن أخرج فهي مصدرية حذف قبلها حرف الجر لأن أرسل يتعدى بالباء، والجار يطرد حذفه قبل أن وأن، واتصال المصدرية بالأمر أمر مر تحقيقه.وزعم بعضهم أن {ءانٍ} هنا زائدة ولا يخفى ضعفه، والمراد من قومه عليه السلام كما هو الظاهر بنو إسرائيل ومن إخراجهم إخراجهم بعد مهلك فرعون {مِنَ الظلمات} من الكفر والجهالات التي كانوا فيها وأدت بهم إلى أن يقولوا: {قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 138] {إِلَى النور} إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وسائر ما أمروا به، وقيل: أخرجهم من ظلمات النقص إلى نور الكماب {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} أي بنعمائه وبلائه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، واختاره الطبري لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الكلام، والعطف على {أَخْرَجَ} وجوز أن تكون الجملة مستأنفة، والالتفات من التكلم إلى الغيبة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنها والإشعار على ما قيل بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما يوهمه الإضافة إلى ضمير المتكلم، وحاصل المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد. وعن ابن عباس أيضًا. والربيع. ومقاتل. وابن زيد المراد بأيام الله وقائعه سبحانه ونقماته في الأمم الخالية، ومن ذلك أيام العرب لحروبها وملاحمها كيوم ذي قار. ويوم الفجار. ويوم قضة. وغيرها، واستظهره الزمخشري للغلبة العرفية وأن العرب استعملته للوقائع، وأنشد الطبرسي لذلك قول عمرو بن كلثوم:وأنشده الشهاب للمعنى السابق، وأنشد لهذا قوله: وأخرج النسائي. وعبد الله بن حمد في زوائد المسند. والبيهقي في شعب الإيمان. وغيرهم عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام في الآية بنعم الله تعالى وآلائه، وروى ذلك ابن المنذر عن ابن عباس. ومجاهد، وجعل أبو حيان من ذلك بيت عمرو، واوظهر فيه ما ذكره الطبرسي.وأنت تعلم أنه إن صح الحديث فعليه الفتوى، لكن ذكر شيخ الإسلام في ترجيح التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أولًا على ما روي ثانيًا بأنه يرد الثاني ما تصدى له عليه السلام بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسا يتلى بعد، وهو يبعد صحة الحديث، والقول بأن النقم بالنسبة إلى قوم نعم بالنسبة إلى آخرين كما قيل: مما لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل في هذا المقام. نعم إن قوله تعالى: {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} [إبراهيم: 6] ظاهر في تفسير الأيام بالنعم وما يستدعي غير ذلك ستسمع فيه أقوالًا لا يستدعيه على بعضها.وزعم بعضهم أن المراد من قومه عليه السلام القبط {وَرَسُولِهِ والنور} الكفر والإيمان لا غير، وقيل: قومه عليه السلام القبط. وبنو إسرائيل وكان عليه السلام مبعوثًا إليهم جميعًا إلا أنه بعث إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله تعالى وأن لا يشركوا به سبحانه شيئًا، وإلى بني إسرائيل بذلك وبالتكليف بفروع الشريعة.وقيل: هم بنو إسرائيل فقط إلا أن المراد من {الظلمات والنور} إن كانوا كلهم مؤمنين ظلمات ذل العبودية ونور عزة الدين وظهور أمر الله تعالى، ونحن نقول: نسأل الله تعالى أن يخرجنا وأهل هذه الأقوال من ظلمات الجهل إلى نور العلم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي ذي التذكير بأيام الله تعالى أو في الأيام {لاَيَاتٍ} عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته، وهي على الأول الأيام، ومعنى كون التذكير ظرفًا لها كونه مناطًا لظهورها، وعلى الثاني كذلك أيضًا إلا أن كلمة {فِى} تجريدية أو هي عليه كل واحدة من النعماء والبلاء، والمشار إليه المجموع المشتمل عليها من حيث هو مجموع، وجوز أن يراد بالأيام فيما سبق أنفسها المنطوية على النعم والنقم، فإذا كانت الإشارة إليها وحملت الآيات على النعماء والبلاء فأمر الظرفية ظاهر {لّكُلّ صَبَّارٍ} كثير الصبر على بلائه تعالى: {شَكُورٍ} كثير الشكر لنعمائه عز وجل.وقيل: المراد لكل مؤمن، فعلى الأول الوصفان عبارتان لمعنيين، وعلى هذا عبارة عن معنى واحد على طريق الكناية كحي مستوي القامة بادي البشرة في الكناية عن الإنسان، والتعبير عن المؤمن بذلك للإشعار بأن الصبر والشكر عنوان المؤمن الدال على ما في باطنه. والمراد على ما قيل لكل من يليق بكمال الصبر والشكر أو الإيمان ويصير أمره إلى ذلك لا لمن اتصف به بالفعل لأن الكلام تعليل للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكير المؤدي إلى تلك المرتبة، فإن من تذكر ما فاض أو نزل عليه أو على ما قبله من النعمة والنقمة وتنبه لعاقبة الصبر والشكر أو الإيمان لا يكاد يفارق ذلك وتخصيص الآيات بالصبار الشكور لأنه المنتفع بها لا لأنها خافية عن غيره فإن التبيين حاصل بالنسبة إلى الكل، وتقديم الصبر على الشكر لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضى للشكر، وقيل: لأنه من قبيل التروك يقال: صبرت الدابة إذا حبستها بلا علف والشكر ليس كذلك فإنه كما قال الراغب تصور النعمة وإظهارها، قيل: وهو مقلوب الكشر أي الكشف، وقيل: أصله من عين شكرى أي ممتلئة فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه، وهو على ثلاثة أضرب: شكر القلب.وشكر اللسان. وشكر الجوارح، وذكر أن توفية شكر الله تعالى صعبة، ولذلك لم يثن سبحانه بالشكر على أحد من أوليائه إلا على اثنين نوح وإبراهيم عليهما السلام، وقد يكون انقسام الشكر على النعمة وعدم انقسام الصبر على النقمة وجهًا للتقديم والتأخير، وقيل: ذلك لتقدم متعلق الصبر أعني البلاء على متعلق الشكر أعني النعماء. .تفسير الآية رقم (6): {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)}{وَإِذْ قَالَ موسى} شروع في بيان تصديه عليه السلام لما أمر به من التذكير للإخراج المذكور {وَإِذْ} منصوب على المفعولية عند كثير ضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث لما مر غيره مرة أي اذكر لهم وقت قوله عليه السلام {لِقَوْمِهِ} الذين أمرناه بإخراجهم من الظلمات إلى النور {اذكروا نِعْمَةَ الله} تعالى الجليلة {عَلَيْكُمْ} وبدأ عليه السلام بالترغيب لأنه عند النفس أقبل وهي إليه أميل، وقيل: بدأ بهذا الأمر لما بينه وبين آخر الكلام السابق من مزيد الربط، ولا يخفى أن هذا إنما هو على تقدير أن يكون عليه السلام مأمورًا بالترغيب والترهيب، أما إذا كان مأمورًا بالترغيب فقط فلا سؤال، والظرف متعلق بنفس النعمة إن جعلت مصدرًا عنى الإنعام أو حذوف وقع حالًا منها إن جعلت اسمًا أي اذكروا إنعامه عليكم أو نعمته كائنة عليكم، و{إِذْ} في قوله سبحانه: {إِذْ نجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} يجوز أن يتعلق بالنعمة أيضًا على تقدير جعلها مصدرًا أي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائكم، ويجوز أن يتعلق بكلمة {عَلَيْكُمْ} إذا كانت حالًا لا ظرفًا لغوًا للنعمة لأن الظرف المستقر لنيابته عن عامله يجوز أن يعمل عمله أو هو على هذا معمول لمتعلقه كأنه قيل: اذكروا نعمة الله تعالى مستقرة عليكم وقت إنجائكم، ويجوز أن يكون بدل اشتمال من نعمة الله مرادًا بها الإنعام أو العطية المنعم بها {يَسُومُونَكُمْ} يبغونكم من سامه خسفًا إذا أولاه ظلمًا، وأصل السوم كما قال الراغب الذهاب في طلب الشيء فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والطلب فأجرى مجرى الذهاب في قولهم: سامت الإبل فهي سائمة، ومجرى الطلب في قولهم: سمته كذا {سُوء العذاب} مفعول ثاني ليسومونكم والسوء مصدر ساء يسوء، والمراد جنس العذاب السيء أو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة والاستهانة بهم وغير ذلك.وفي «أنوار التنزيل» أن المراد بالعذاب هاهنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والتقتيل ثم ومعطوف عليه التذبيح المفاد بقوله تعالى: {وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} هاهنا، وفيه إشارة إلى وجه العطف وتركه مع أن القصة واحدة، وحاصل ذلك أنه حيث طرح الواو قصد تفسير العذاب وبيانه فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال وحيث عطف لم يقصد ذلك، والعذاب إن كان المراد به الجنس فالتذبيح لكونه أشد أنواعه عطف عليه عطف جبريل على الملائكة عليهم السلام تنبيهًا على أنه لشدته كأنه ليس من ذلك الجنس، وإن كان المراد به غيره كالاستعباد فهما متغايران والمحل محل العطف، وقد جوز أهل المعاني أن يكونا عنى في الجميع وذكر الثاني للتفسير، وترك العطف في السورتين ظاهر والعطف هنا لعد التفسير لكونه أوفى بالمراد وأظهر منزلة المغاير وهو وجه حسن أيضًا، وسبب هذا التذبيح أن فرعون رأى في المنام أو قال له الكهنة.أنه سيولد لبني إسرائيل من يذهب لكه فاجتهدوا في ذلك فلم يغن عنهم من قضاء الله تعالى شيئًا. وقرأ ابن محيصن {وَيُذَبّحُونَ} مضارع ذبح ثلاثيًا. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما كذلك إلا أنه حذف الواو {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي يبقونهن في الحياة مع الذل، ولذلك عد من جملة البلاء أو لأن إبقاءهن دون البنين رزية في نفسه كما قيل:والجمل أحوال من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعًا لأن فيها ضمير كل منهما، ولا اختلاف في العامل لأنه وإن كان في آل فرعون من في الظاهر لكنه لفظ {أَنجَاكُمْ} في الحقيقة، والاقتصار على الاحتمالين الأولين هنا وتجويز الثلاثة في سورة البقرة كما فعل البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله لا يظهر وجهه.{وَفِى ذلكم} أي فيما ذكرنا من الأفعال الفظيعة {بَلاء مِّن رَّبّكُمْ} أي ابتلاء منه تعالى لأن البلاء عين تلك الأفعال اللهم إلا أن تجعل {فِى} تجريدية فنسبته إلى الله تعالى إما من حيث الخلق وهو الظاهر أو الإقدار والتمكين، ويجوز أن يكون المشار إليه الإنجاء من ذلك والبلاء الابتلاء بالنعمة فإنه يكون بها كما يكون بالمحنة قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] وقال زهير: وهو الأنسب بصدر الآية، ويلوح إليه التعرض لوصف الربوبية، وعلى الأول يكون ذلك باعتبار المآل الذي هو الإنجاء أو باعتبار أن بلاء المؤمن تربية له ونفع في الحقيقة {عظِيمٌ} لا يطلق حمله أو عظيم الشأن جليل القدر. .تفسير الآية رقم (7): {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} داخل في مقول موسى عليه السلام لا كلام مبتدأ، وهو معطوف على نعمة الله أي اذكروا نعمة الله تعالى عليكم واذكروا حين تأذن ربكم أي آذن إيذانًا بليغًا وأعلم إعلامًا لا يبقى معه شبهة لما في صيغة التفعل من معنى التكلف المحمول في حقه تعالى لاستحالة حقيقته عليه سبحانه على غايته التي هي الكمال، وجوز عطفه على {إِذْ أَنجَاكُمْ} أي اذكروا نعمته تعالى في هذين الوقتين فإن هذا التأذن أيضًا نعمة من الله تعالى عليهم لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى ما ينالون به خيري الدنيا والآخرة، وفي قراءة ابن مسعود {وَإِذْ قَالَتْ رَبُّكُمْ} {لَئِن شَكَرْتُمْ} ما خولتكم من نعمة الإنجاء من إهلاك وغير ذلك وقابلتموه بالإيمان أو بالثبات عليه أو الإخلاص فيه والعمل الصالح {لازِيدَنَّكُمْ} أي نعمة إلى نعمة فإن زيادة النعمة ظاهرة في سبق نعمة أخرى، وقيل: يفهم ذلك أيضًا من لفظ الشكر فإنه دال على سبق النعم فليس الزيادة لمجرد الاحداث، والظاهر على ما قيل إن هذه الزيادة في الدنيا، وقيل: يحتمل أن تكون في الدنيا وفي الآخرة وليس ببعيد، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم في الثواب، وعن الحسن. وسفيان الثوري أن المعنى لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من طاعتي، والكل خلاف الظاهر. وذكر الإمام أن حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه، وبيان زيادة النعم به أن النعم منها روحانية ومنها جسمانية والشاكر يكون أبدًا في مطالعة أقسام نعم الله تعالى وأنواع فضله وكرمه وذلك يوجب تأكد محبة الله تعالى المحسن عليه بذلك ومقام المحبة أعلى مقامات الصديقين، ثم قد يترقى العبد من تلك الحالة إلى أن يكون حبه للمنعم شاغلًا له عن الالتفات إلى النعمة وهذه أعلى وأغلى فثبت من هذا أن الاشتغال بالشكر يوجب زيادة النعم الروحانية، وكونه موبجًا لزيادة النعم الجسمانية فللاستقراء الدال على أن كل من كان اشتغاله بالشكر أكثر كان وصول النعم إليه أكثر وهو كما ترى {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} ذلك وغمطتموه ولم تشكروه كما تدل عليه المقابلة، وقيل: المراد بالكفر ما يقابل الإيمان كأنه قيل: ولئن أشركتم {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} فعسى يصيبكم منه ما يصيبكم، ومن عادة الكرام غالبًا التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد فما ظنك بأكرم الأكرمين، فلذا لم يقل سبحانه: إن عذابي لكم لأعذبنكم كما قال جل وعلا: {لازِيدَنَّكُمْ}.وجوز أن يكون المذكور تعليلًا للجواب المحذوف أي لأعذبنكم، وبين الإمام وجه كون كفران النعم سببًا للعذاب أنه لا يحصل الكفران إلا عند الجهل بكون تلك النعمة من الله تعالى؛ والجاهل بذلك جاهل بالله تعالى والجهل به سبحانه من أعظم أنواع العذاب.والآية مما اجتمع فيها القسم والشرط فالجواب ساد مسد جوابيهما، والجملة إما مفعول لتأذن لأنه ضرب من القول أو مفعول قول مقدر منصوب على الحال ساد معموله مسده أي قائلًا لئن شركتم إلخ، وهذان مذهبان مشهوران للكوفية والبصرية في أمثال ذلك.واستدل بالآية على أن شكر المنعم واجب وهو مما أجمع عليه السنيون والمعتزلة إلا أن الأولين على وجوبه شرعًا والآخرين على وجوبه عقلًا، وهو مبني على قولهم بالحسن والقبح العقليين، وقد هد أركانه أهل السنة، على أنه لو قيل به لم يكد يتم لهم الاستدلال بذلك في هذا المقام كما بين في محله.
|